كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


قال العارف ابن عربي في توجيهه إدبار الشيطان عند الأذان حكمته أن اللّه تعالى قد أمر الخلائق بإشهادهم على أنفسهم بالبراءة من الشرك ألا ترى إلى قول هود عليه السلام لقومه ‏{‏أشهد اللّه وأشهدوا أني بريء مما تشركون‏}‏ فأشهدهم مع كونهم مكذبين به على أنفسهم بالبراءة من الشرك والإقرار بالأحدية لما علم أنه سبحانه وتعالى سيوقف عباده بين يديه ويسألهم عما هو عالم به لإقامة الحجة عليهم أو لهم حتى يؤدي كل شاهد شهادته فلذلك شهد للمؤذن مدى صوته من رطب ويابس وكل من سمعه ولذلك يدبر الشيطان عند الأذان وله ضراط لئلا يسمع المؤذن بالشهادة فيلزمه أن يشهد له فيصير بتلك الشهادة من جملة من يسعى في سعادة المشهود له وهو عدو محض لعنه اللّه‏.‏

- ‏(‏م عن أبي هريرة‏)‏‏.‏

2034 - ‏(‏إن الشيطان قد يئس‏)‏ في رواية أيس ‏(‏أن يعبده المصلون‏)‏ أي من أن يعبده المؤمنون يعني من أن تعبد الأصنام ‏{‏يا أبت لا تعبد الشيطان‏}‏ قال البيضاوي رحمه اللّه تعالى‏:‏ عبادة الشيطان عبادة الصنم بدليل فجعل عبادة الصنم عبادته لأنه الآمر به الداعي إليه وعبر عن المؤمنين بالمصلين كما في حديث نهيت عن قتل المصلين لأن الصلاة هي الفارقة بين الإيمان والكفر وأظهر الأفعال الدالة على الإيمان فالمراد أن الشيطان أيس أن يعود أحد من المؤمنين إلى عبادة الصنم ويرتد إلى شركه في جزيرة العرب وارتداد بعض لا ينافي يأسه فلا يرد نقضاً أو لأنهم لم يعبدوا الصنم أو لأن المراد أن بين المصلين لا يحمعون بين الصلاة وعبادة الشيطان ‏(‏ولكن في التحريش بينهم‏)‏ خبر مبتدأ محذوف أي وهو في التحريش أو ظرف لمقدر أي يسعى في التحريش أي في إغراء بعضهم على بعض وحملهم على الفتن والحروب والشحناء قال القاضي‏:‏ والتحريش الإغراء على الشيء بنوع من الخداع من حرش الضب الصياد خدعه وله من دقائق الوسواس ما لا يفهمه إلا البصراء بالمعارف الإلهية، قال بعض الأئمة‏:‏ إنما خص جزيرة العرب لأنها مهبط الوحي وهو ما بين حفر أبي موسى الشعري إلى أقصى اليمن طولاً وما بين رمل يبرين إلى منقطع السماوة موضع بالبادية ‏[‏ص 357‏]‏ من طريق الشام عرضاً وسميت جزيرة لأن البحار والأنهار اكتنفتها من أكثر الجهات كبحر البصرة وعمان وعدن وبحر الشام والنيل ودجلة والفرات قال أهل الهيئة‏:‏ جملة ولاية العرب وأحيائهم من الحجاز واليمن والطائف وغيرها وبواديهم واقعة بين الضلع الغربي من بحر فارس والشرقي من بحر القلزم فلهذا تسمى العمارة الواقعة بينهما جزيرة العرب وقال الطيبي‏:‏ لعل المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أخبر بما يكون بعده من التحريش الواقع بين صحبه أيس أن يعبد فيها لكن طمع في التحريش وكان كما أخبر فكان معجزة والتحريش الإغراء على الشيء كما مر من حرش الصياد أي يخدعهم ويغري بعضهم على بعض لما ذكر العبادة أولا سماهم المصلين تعظيماً لهم ولما ذكر الفتنة أخرجه مخرج التحريش وهو الإغراء بين البهائم توهيناً وتحقيراً لهم قال حجة الإسلام‏:‏ روي أن إبليس تمثل لعيسى عليه السلام فقال قل لا إله إلا اللّه فقال كلمة حق ولا أقولها بقولك وذلك لأن له تحت الخير تلبيسات لا تتناهى وبه تهلك العلماء والعباد والزهاد والفقراء والأغنياء وأصناف الخلق ممن يكرهون ظاهر الشر ولا يرضون لنفسهم الخوض في المعاصي المكشوفة قال الحجة‏:‏ وقد انتشر الآن تلبيسه في البلاد والعباد والمذاهب والأعمال فحق العبد أن يقف عند كل هم يخطر له ليعلم أنه لمة ملك أو لمة شيطان وأن يمضي النظر فيه بنور البصيرة لا بهوى من الطبع بل بنور اليقين ‏{‏إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تذكروا فإذا هم مبصرون‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في صفة عرش إبليس ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن جابر‏)‏ ولم يخرجه البخاري وظاهر صنيع المصنف أن مسلماً لم يخرجه إلا هكذا بغير زيادة ولا نقص والأمر بخلافه بل زاد بعد قوله المصلون في جزيرة العرب ذكره في أواخر صحيحه وكأنه سقط من القلم‏.‏

2035 - ‏(‏إن الشيطان حساس‏)‏ بحاء مهملة وتشديد السين بضبط المصنف قال الحافظ الزين العراقي‏:‏ المشهور في الرواية بحاء مهملة أي شديد الحس والإدراك كما في النهاية ويجوز من جهة المعنى كونه بالجيم من تجسس الأخبار تفحص ومنه الجاسوس وفرق بعضهم بينهما بأنه بالجيم أن يطلب لغيره وبالحاء لنفسه وقيل بالجيم في الشر وبالحاء في الخير ‏(‏لحاس‏)‏ بالتشديد بضبط المصنف أي يلحس بلسانه ما يتركه الآكل على يده من الطعام ‏(‏فاحذروه على أنفسكم‏)‏ أي خافوه عليها فاغسلوا أيديكم بعد فراغ الأكل من أثر الطعام غسلاً جيداً فإنه ‏(‏من بات وفي يده ريح غمر‏)‏ بغين معجمة وميم مفتوحتين ريح اللحم وزهومته ‏(‏فأصابه شيء‏)‏ للبزار فأصابه خبل ولغيره لمم وهو المس من الجنون وفي أخرى فأصابه وضح أي برص والمراد فساد شيء من أعضائه إما بالخبل أو اللمم أو الوضح ‏(‏فلا يلومنّ إلا نفسه‏)‏ فإنا قد أوضحنا له البيان حتى صار الأمر كالعيان ومن حذر فقد أنذر فمن لم ينته بعد ذلك فهو الضار لنفسه قال ابن عربي رضي اللّه عنه‏:‏ أخبر المصطفى صلى اللّه عليه وسلم أن الشيطان يتصل بالإنسان بسبب الغمر فيتحسس به ويتلحسه ويتصل به فلا يسلم من أن يشاركه في بدنه فيصيبه منه داء أو جنون فليجتهد في إزالة الغمر‏.‏

قال في البحر‏:‏ أخبر أنه يلحس الرائحة والغمر دون العين وعليه فمشاركته للناس في الأكل إنما هي مشاركة في رائحة طعامهم دون عينه وقد يكون مشاركته لهم بذهاب البركة منه لعدم التسمية عليه، إلى هنا كلامه، وشنع عليه ابن العربي رضي اللّه عنه فقال‏:‏ من زعم أن أكله إنما هو الشم فقد حاد ووقع في حبالة الإلحاد بل يأكل ويشرب وينكح ويوله له قال‏:‏ ومن زعم أن الجن والشياطين بسائط فإنما أراد أنهم لا يفنون وهم يفنون وقول الحديث إنه حساس لحاس ليس فيه ما يقتضي عدم الأكل بل يشم ويأكل وله لذة في الشم كلذتنا في اللقمة في كل طعمة‏.‏

- ‏(‏ت ك‏)‏ في الأطعمة ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ قال الحاكم على شرطهما واغتر به المصنف فلم يرمز لضعفه وما درى أن الذهبي رده عليه رداً شنيعاً بل هو موضوع فإن فيه يعقوب بن الوليد كذبه أحمد والناس انتهى وقال الذهبي في موضع آخر يعقوب بن الوليد ‏[‏ص 358‏]‏ الأزدري هذا كذاب واتهم فلا يحتج به قال‏:‏ لكن رواه البيهقي والبغوي من وجه آخر من حديث زهير بن معاوية عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة وقال البغوي في شرح السنة حديث حسن وهو كما قال سهيل بن أبي صالح وإن كان قد تكلم فيه لكنه مقارب فهو من هذا الوجه حسن‏.‏

2026 - ‏(‏إن الشيطان‏)‏ أي كيده ‏(‏يجري من ابن آدم‏)‏ أي فيه ‏(‏مجرى الدم‏)‏ في العروق المشتملة على جميع البدن قال القاضي‏:‏ وهذا إمّا مصدر أي يجري مثل جريان الدم في أنه لا يحس بجريه كالدم في الأعضاء ووجهه الشبه شدة الاتصال فهو كناية عن تمكنه من الوسوسة أو ظرف ليجري ومن الإنسان حال منه أن يجري مجرى الدم كائناً من الإنسان أو بدل بعض من الإنسان أي يجري في الإنسان حيث يجري فيه الدم انتهى‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ عدى يجري بمن على تضمنه معنى التمكن أي يتمكن من الإنسان في جريانه في عروقه مجرى الدم وقوله مجرى الدم يجوز كونه مصدراً ميمياً وكونه اسم مكان وعلى الأول فهو تشبيه شبه كيد الشيطان وجريان وسوسته في الإنسان بجريان دمه وعروقه وجميع أعضائه والمعنى أنه يتمكن من إغوائه وإضلاله تمكناً تاماً ويتصرف فيه تصرفاً لا مزيد عليه وعلى الثاني يجوز كونه حقيقة فإنه تعالى قادر على أن يخلق أجساماً لطيفة تسري في بدن الإنسان به سريان الدم فيه فإن الشياطين مخلوقة من نار السموم والإنسان من صلصال وحمأ مسنون والصلصال فيه نارية وبه يتمكن من الجري في أعضائه بدليل خبر البخاري معلقاً الشيطان جائم على قلب ابن آدم فإذا ذكر اللّه خنس وإذا غفل وسوس ويجوز كونه مجازاً يعني أن كيد الشيطان ووسوسته تجري في الإنسان حيث يجري منه الدم من عروقه والشيطان إنما يستحوذ على النفوس وينفث وساوسه في قلوب الأخيار بوسطة النفس الأمارة بالسوء ومركبها الدم ومنشأ قواها منه فعلاجه سد المجاري بالجوع والصوم لأنه يقمع الهوى والشهوات التي هي أسلحة الشيطان وقال ابن الكمال‏:‏ هذا تمثيل وتصوير أراد تقرير أن للشيطان قوة التأثير في السرائر فإن كان متفرداً منكراً في الظاهر فإليه رغبة روحانية في الباطن بتحريكه تنبعث القوى الشهوانية في المواطن قال أعني ابن الكمال ومن لم يتنبه لحسن هذا التمثيل ضل في رد ذلك المقال وأضل حيث قال ‏{‏فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم ثم لأتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم‏}‏ كالدلالة على بطلان ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي ويخالطه لأنه إذا أمكنه ذلك لكان ما يذكره في باب المبالغة أحق أما إنه ضل فلأنه لم يدر أن الكلام المذكور مأخوذ من مشكاة النبوة مصبوب في قالب التمثيل والغرض منه بيان أن الشيطان منفور محذور منه في الظاهر مطبوع متبوع في الباطن والغرض من التمثيل المنقول عنه بيان كمال اهتمامه في أمر الإغواء وتصوير قوة استيلائه على ابن آدم من جميع الجهات وكل من التمثيلين على أبلغ نظام وأحسن وجه من الانطباع على مقتضى التمام وأما أنه أضل فلأن الفخر الرازي ذلك الإمام الهمام نقله عنه نقل قبول حيث قال قال القاضي هذا القول من إبليس كالدلالة على بطلان على ما يقال إنه يدخل في بدن الآدمي اهـ وفيه دليل على أن الاجتهاد في نفي التهمة واجب وجوب إنفاء التهمة الذنوب في مواقعها ووجود الشياطين وهم مردة الجن وقد نطق القرآن العظيم به وإنما خالف فيه الفلاسفة الضالون ومن اقتفى فيه أثرهم كالمعتزلة‏.‏

- ‏(‏حم ق د ه عن أنس‏)‏ بن مالك ‏(‏ق د عن صفية‏)‏ بنت حيي النضرية أم المؤمنين من ذرية هارون عليه السلام وهذا قاله وقد انطلق معها فمر به رجلان من الأنصار فدعاهما فقال إنها صفية قالا سبحان اللّه فذكره قال الغزالي‏:‏ فانظر كيف أشفق على دينهما فحرسهما وكيف أشفق على أمته فعلمهم طريق التحرز من التهم حتى لا يتساهل العالم الورع المعروف بالدين في أحواله فيقول مثلي لا يظن به إلا خيراً إعجاباً منه بنفسه فإن أورع الناس وأتقاهم وأعلمهم لا ينظر الناس كلهم إليه بعين واحدة بل بعين الرضى بعضهم، وبعين السخط بعضهم فيجب التحرز عن تهمة الأشرار‏.‏

‏[‏ص 359‏]‏ 2038 - ‏(‏إن الصائم إذا أكل‏)‏ بالبناء للمفعول أي أكل أحد ‏(‏عنده‏)‏ نهاراً ‏(‏لم تزل تصلي عليه الملائكة‏)‏ أي تستغفر له ‏(‏حتى يفرغ‏)‏ الأكل عنده ‏(‏من طعامه‏)‏ أي من أكل طعامه فإن حضور الطعام يهيج شهوته للأكل فلما قمع شهوته وكف نفسه امتثالاً لأمر ربه ومحافظة على ما يقربه إليه ويرضيه عنه عجبت الملائكة من إذلاله لنفسه في طاعة ربه فاستغفروا له، وفي الحديث شمول لصوم الفرض والنفل وقصره على الفرض لا دليل عليه ولا ملجأ إليه‏.‏

- ‏(‏حم ت هب عن أم عمارة‏)‏ بنت كعب الأنصارية صحابية روى عنها حفيدها عباد بن تميم وغيره قالت دخلت على النبي صلى اللّه عليه وسلم فقدمت إليه طعاماً فقال كلي فقالت إني صائمة فذكره قال الترمذي حسن صحيح وقضية صنيع المصنف أن الترمذي تفرد بإخراجه من بين الستة والأمر بخلافه بل رواه النسائي وابن ماجه‏.‏

2039 - ‏(‏إن الصالحين‏)‏ جمع صالح وهو القائم بحقوق اللّه وحقوق خلقه وقول القاضي البيضاوي هو الذي صرف عمره في طاعة اللّه وماله في مرضاته ليس على ما ينبغي لاقتضائه أنه من صرف صدراً من عمره في عمل المعاصي ثم تاب توبة صحيحة وسلك طريق السلوك وقام بحق خدمة ملك الملوك لا يسمى صالحاً ومن البين أنه في حيز السقوط ‏(‏يشدد عليهم‏)‏ بالبناء للمفعول أي يشدد اللّه عليهم ويبتليهم ليرفع درجتهم لما مر غير مرة أن أشد الناس بلاء الأمثل فالأمثل ‏(‏وإنه‏)‏ أي الشأن ‏(‏لا يصيب مؤمناً نكبة‏)‏ أي مصيبة كما في المصباح ‏(‏من شوكة فما فوقها إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة‏)‏ أي منزلة عالية في الجنة وقد تقدم أنه لا بدع في كون الشيء الواحد حاطاً ورافعاً قال الطيبي‏:‏ والصلاح استقامة الشيء على حالة كماله كما أن الفساد ضده ولا يحصل الصلاح الحقيقي إلا في الآخرة لأن الأحوال العاجلة وإن وصفت بالصلاح لا تخلو من شوب فساد وخلل والاستقامة التامة لا تكون إلا لمن فاز بالقدح المعلى‏.‏

- ‏(‏حم حب ك‏)‏ في الرقاق ‏(‏هب‏)‏ كلهم ‏(‏عن عائشة‏)‏ رضي اللّه تعالى عنها قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي قال الهيثمي رجال أحمد ثقات‏.‏

2040 - ‏(‏إن الصبحة‏)‏ بالضم أي تناول ما لا ينبغي وقت الصباح أو النوم وقته ولو بعد الصلاة ‏(‏تمنع بعض الرزق‏)‏ أي حصوله حقيقة أو بمعنى عدم البركة فيه على ما مر وفي رواية بإسقاط بعض ما على الأول فإن من افتتح النهار بخير كان في بقيته ميموناً مباركاً له من اللّه عون على رزقه وأما على الثاني فلأنه قد ورد أن ما بين الفجر وطلوع الشمس ساعة تقسم فيها الأرزاق وليس من حضر القسمة كمن غاب عنها ولأن من نام حتى أصبح أصبح وهو خبيث النفس كسلان ليس له نهضة في تعاطي معاشه فينقص بذلك محصوله وهكذا يكاد أن يكون محسوساً‏.‏

- ‏(‏حل‏)‏ من حديث الحسن بن علي الطوسي عن محمد بن أسلم عن حسين بن الوليد عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن ابن المسيب ‏(‏عن عثمان بن عفان‏)‏ وهكذا رواه عن العطريف‏.‏

‏[‏ص 360‏]‏ 2041 - ‏(‏إن الصبر‏)‏ أي المحمود صاحبه أو الكامل ما كان ‏(‏عند الصدمة الأولى‏)‏ أي الوارد على القلب غب المصيبة إذ لفجأتها روعة تزعج القلب بصدمتها فإن صبر للصدمة الأولى انكسرت حدتها وضعفت قوتها فهان عليه استدامة الصبر وأما إذا أوردت بعد طول الأمل فقد توطن عليها ويطبعها ويصير صبره كالاضطراري فمعنى الخبر كما قال أبو عبيد إن كل ذي رزية قصاراه الصبر لكن إنما يحمد على صبره عند حدة المصيبة وحرارتها والصبر حبس النفس على مقتضى الشرع وهو لفظ عام ربما خولف بين أسمائه بحسب اختلاف مواقعه فحبس النفس لمصيبته يسمى صبراً لا غير ويقابله الجزع وحبسها في محاربة تسمى شجاعة ويقابله الجبن في إمساك عن كلام يسمى صمتاً وكتماناً ويقابله القلق وهكذا‏.‏

- ‏(‏حم ق 4 عن أنس‏)‏ قال مر النبي صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم بامرأة تبكي عند قبر فذكره وكلام المصنف صريح في أن الجماعة كلهم رووه ورأيت الصدر المناوي استثنى منهم ابن ماجه‏.‏

2042 - ‏(‏إن الصخرة‏)‏ بسكون الحاء وفتحها الحجر العظيم كما يفيده قول الصحاح وغيره الصخر الحجارة العظام والواحدة صخرة بسكون الخاء وفتحها اهـ فقوله العظيمة صفة كاشفة ‏(‏لتلقى من شفير جهنم‏)‏ أي حرفها وساحلها وشفير كل شيء حرفه ومنه شفر النفس الفرج كما في المصباح وشفير النهر والبئر والقبر كما في الأساس ‏(‏فتهوي بها‏)‏ وفي نسخة فيها والأول هو ما في خط المصنف ‏(‏سبعين عاماً‏)‏ وفي نسخة خريفاً والأول هو الأثبت في خط المصنف ‏(‏ما تفضي إلى قرارها‏)‏ أي ما تصل إلى قعرها أراد وصف عمقها لأنه لا يكاد يتناهى فالسبعين للتكثير لا للتحديد جرياً على عادتهم في تخاطبهم من إرادة مجرد التكثير لا خصوص العدد‏.‏

- ‏(‏ت عن عتبة‏)‏ بضم أوله فمثناة فوقية ساكنة ‏(‏ابن غزوان‏)‏ بفتح المعجمة وسكون الزاي المازني صحابي جليل بدري أسلم بعد ستة رجال وكان أحد الرماة وهو الذي اختط البصرة‏.‏

2043 - ‏(‏إن الصداع‏)‏ أي وجع بعض أجزاء الرأس أو كله فما منه في أحد شقيقه لازماً سمي شقيقة أو شامل لكلها لازماً سمي بيضة وخوذة وأنواعه كثيرة وأسبابه مختلفة وحقيقة الصداع سخونة الرأس واحتقان البخار فيها وهو مرض الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكان أكثر مرض المصطفى صلى اللّه عليه وسلم منه والمليلة فعيلة من التملل وأصلها من الملة التي يخبز فيها فاستعيرت لحرارة الحمى ووهجها وقال المنذري‏:‏ المليلة الحمى التي تكون في العظم ‏(‏لا يزالان بالمؤمن وإن ذنوبه مثل أحد‏)‏ بضم الهمزة والحاء الجبل المعروف ‏(‏فما يدعانه‏)‏ أي يتركانه ‏(‏وعليه من ذنوبه مثقال‏)‏ أي ما يثاقل أي يوازن ‏(‏حبة من خردل‏)‏ بل يكفر اللّه عنه جميع ذنوبه وخص الخردل بالذكر لكمال المبالغة وهو أصغر الحبوب قدراً، ولما نظر إلى هذا أبي بن كعب قال لعواده وقد قالوا له كيف نجدك يا أبا إسحاق قال بخير جسد أذيب وأخذ بذنبه إن شاء ربه عذبه وإن شاء رحمه وإن بعثه بعثه خلقاً جديداً لا ذنب له قال ابن العربي‏:‏ من فضله سبحانه على عباده أن خلق المعصية وقدرها ثم محصها وكفرها بحكمته وكفارة الأمراض والأوصاب للسيئات إن كانت صغائر مسحاً مسحاً وإن كانت كبائر وزناً وزناً وإن كان الكل بالميزان لكن الصغائر لا ثبات لها مع الحسنات وأما الكبائر فلا بد فيها من فضل اللّه تعالى في تقديره اسم الذنب وأجر الطاعة ويقابل بينهما ‏[‏ص 361‏]‏ في الوزن بحسب عمله فيسقط ما يسقط ويبقى ما يبقى بحسب الكبيرة‏.‏

- ‏(‏حم طب عن أبي الدرداء‏)‏ قال المنذري فيه ابن لهيعة وسهل بن معاذ وقال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو ضعيف‏.‏

2044 - ‏(‏إن الصدق‏)‏ الذي هو الإخبار على وفق الواقع وقال الحرالي‏:‏ مطابقة أقواله وأفعاله لباطن حاله في نفسه وعرفان قلبه ‏(‏يهدي‏)‏ بفتح أوله أي يوصل صاحبه ‏(‏إلى البر‏)‏ بالكسر اسم يجمع الخير كله وقيل هو التوسع في الخير وقيل اكتساب الحسنات واجتناب السيئات ‏(‏وإن البر يهدي‏)‏ بفتح أوله أي يوصل صاحبه ‏(‏إلى الجنة‏)‏ يعني أن الصدق الذي يدعو إلى ما يكون براً مثله وذلك يدعو إلى دخول الجنة فهو سبب دخولها ومصداقه ‏{‏إن الأبرار لفي نعيم‏}‏ ‏(‏وإن الرجل‏)‏ ذكر الرجل وصف طردي والمراد الإنسان المؤمن ‏(‏ليصدق‏)‏ أي يلازم الصدق ‏(‏حتى يكتب عند اللّه صديقاً‏)‏ بكسر فتشديد للمبالغة والمراد يتكرر منه الصدق ويداوم عليه حتى يستحق اسم المبالغة فيه ويشتهر بذلك عند الملأ الأعلى قولاً وفعلاً واعتقاداً ثم يوضع له ذلك في قلوب أهل الأرض كما في رواية فالمراد بالكتابة الكتابة في اللوح أو في صحف الملائكة‏.‏ قال الطيبي‏:‏ حتى للتدريج ‏(‏وإن الكذب‏)‏ أي الإخبار بخلاف الواقع ‏(‏يهدي إلى الفجور‏)‏ الذي هو هتك ستر الديانة والميل إلى الفساد والانبعاث في المعاصي وهو اسم جامع لكل شر ‏(‏وإن الفجور يهدي إلى النار‏)‏ أي يوصل إلى ما يكون سبباً لدخولها وذلك داع لدخولها ‏(‏وإن الرجل ليكذب‏)‏ أي يكثر الكذب ‏(‏حتى يكتب عند اللّه كذاباً‏)‏ - قال في الفتح المراد بالكتابة بالحكم عليه بذلك وإظهاره للمخلوقين من الملأ الأعلى وإلقاء ذلك في قلوب أهل الأرض- بالتشديد صيغة مبالغة أي يحكم له بذلك ويستحق الوصف بمنزلة الصديقين وثوابهم في الأولى أو الكذابين وعقابهم في الثاني فالمراد إظهاره لخلقه بالكتابة فيما ذكر ليشتهر في الملأ الأعلى وتلقى في قلوب أهل الأرض كما تقرر ويوضع على ألسنتهم كما يوضع القبول والبغضاء في الأرض ذكره العلاء وغيره، وعزوه لابن حجر رحمه اللّه قصور قال البعض فالمضارعان وهما يصدق ويكذب للاستمرار ومن ثم كان الكذب أشد الأشياء ضرراً والصدق أشدها نفعاً ولهذا علت رتبته على رتبة الإيمان لأنه إيمان وزيادة ‏{‏يا أيها الذين آمنوا اتقوا اللّه وكونوا مع الصادقين‏}‏ وفيه كما قال النووي حث على تحري الصد والاعتناء به فإنه إذا اعتنى به أكثر منه فعرف به وتحذير من الكذب والتساهل فيه فإنه إذا تساهل فيه أكثر منه وعرف به ‏(‏تتمة‏)‏ قال الراغب‏:‏ الصدق أحد أركان بقاء العالم حتى لو توهم مرتفعاً لما صح نظامه وبقاؤه وهو أصل المحمودات وركن النبوات ونتيجة التقوى ولولاه لبطلت أحكام الشرائع والاتصاف بالكذب انسلاخ من الإنسانية لخصوصية الإنسان بالنطق ومن عرف بالكذب لم يعتمد نطقه وإذا لم يعتمد لم ينفع صار هو والبهيمة سواه بل يكون شراً من البهيمة فإنها وإن لم تنتفع بلسانها لا تضر والكاذب يضر ولا ينفع‏.‏

- ‏(‏ق عن ابن مسعود‏)‏ ووهم الحاكم حيث استدركه‏.‏

2045 - ‏(‏إن الصدقة‏)‏ الفرض أو النفل ‏(‏لا تزيد المال إلا كثرة‏)‏ في الثواب بإضعافه أضعافاً كثيرة أو في البركة ودفع العوارض فهو تنبيه على ما يفاض عليه من الخيور الإلهية فالمراد الزيادة المعنوية لما أن الخير الإلهي يصدر من حيث لا يحس إلا الحسية كما ظنه بعض الخاسرين الضالين حيث قيل له ذلك فقال بيني وبينك الميزان‏.‏

- ‏(‏عد عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

‏[‏ص 362‏]‏ 2046 - ‏(‏إن الصدقة على ذي قرابة‏)‏ أي صاحب قرابة وإن بعد ‏(‏يضعف‏)‏ لفظ رواية الطبراني يضاعف ‏(‏أجرها مرتين‏)‏ لأنها صدقة وصلة وفي كل منهما أجر على حدته والمقصود أن الصدقة على القريب أولى وآكد من الصدقة على الأجنبي وإن كان القريب كاشحاً كما صرح به في عدة أخبار‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال الهيثمي فيه عبد اللّه بن زحر وهو ضعيف‏.‏

2047 - ‏(‏إن الصدقة لتطفىء غضب الرب‏)‏ أي سخطه على من عصاه وإعراضه عنه ومعاقبته له ‏(‏وتدفع ميتة السوء‏)‏ بكسر الميم بأن يموت مصراً على ذنب أو قانطاً من رحمة اللّه أو مختوماً له بسيء عمل أو نحو لديغ أو غريق أو حريق أو نحوهما مما استعاذ منه المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ذكره الحكيم وعزوه للعراقي فيه قصور‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزكاة ‏(‏حب عن أنس‏)‏ بن مالك قال الترمذي غريب قال عبد الحق ولم يبين المانع من صحته وعلته ضعف راويه أبي خلف إذ هو منكر الحديث قال ابن القطان فالحديث ضعيف لا حسن انتهى وجزم العراقي بضعفه قال ابن حجر‏:‏ أعله ابن حبان والعقيلي وابن طاهر وابن القطان وقال ابن عدي لا يتابع عليه‏.‏

2048 - ‏(‏إن الصدقة‏)‏ عرفها باللام العهدية لتفيد أن المراد الصدقة المعهودة وهي الفرض ‏(‏لا تنبغي‏)‏ أي لا تستقيم ولا تحسن ولفظ ينبغي في استعمالهم صالحة للندب وللوجوب ولا ينبغي للكراهة والتحريم فتارة يريدون به هذا وأخرى هذا والقرينة محكمة وهو هنا للتحريم ‏(‏لآل محمد‏)‏ أي محمد وآله وهم مؤمنو بني هاشم والمطلب وإطلاق الآل على الإنسان وآله شائع سائغ ونبه على أن علة التحريم الكرامة بقوله ‏(‏إنما هي أوساخ الناس‏)‏ أي أدناسهم وأقذارهم لأنها تطهر أدرانهم وتزكي أموالهم ونفوسهم ‏{‏خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها‏}‏ فهي كغسالة الأوساخ فهي محرمة عليهم بعمل أو غيره حتى من بعضهم لبعض ومن زعم استثناءه فقد أبعد ومستنده خبر مرسل ضعيف وقد سأل بعض الآل عمر أو غيره جملاً من الصدقة فقال أتحب أن رجلاً بادنا في يوم حار غسل ما تحت رفغيه فشربته فغضب وقال أتقول لي هذا قال إنما هي أوساخ الناس يغسلونها قال الطيبي‏:‏ وقد اجتمع في هذا التركيب مبالغات شتى حيث جعل المشبه به أوساخ الناس للتهجين والتقبيح بتغير أو استقذار وجل حضرة الرسالة ومنبع الطهارة أن ينسب إلى ذلك ولذلك جرد عن نفسه الطاهرة من يسمى محمداً كأنه غيره وهو هو فإن الطيبات للطيبين ولا يقال كيف أباحها لبعض أمته ومن كمال إيمان المرء أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه لأنا نقول ما أباحها لهم عزيمة بل اضطراراً وكم أحاديث نراها ناهية عن السؤال فعلى الحازم أن يراها كالميت ‏{‏فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه‏}‏‏.‏

- ‏(‏حم م‏)‏ في الزكاة ‏(‏عن المطلب‏)‏ بضم الميم وشد الطاء ‏(‏بن ربيعة‏)‏ ابن الحارث الهاشمي له صحبة وفيه قصة ولم يخرجه البخاري ولا خرج عن المطلب لكنه أخرج تحريم الصدقة على الآل عن أبي هريرة‏.‏

2049 - ‏(‏إن الصدقة لتطفىء عن أهلها‏)‏ أي عن المتصدقين بها لوجه اللّه تعالى ‏(‏حر القبور‏)‏ أي محل الدفن، خصها بذلك لأنها إذا وقعت في يد جيعان أطفأت عنه تلهب الجوع وتحرقه وإيلام الجوع البالغ أشد من إيللام حرق النار فكما أخمد المتصدق حر الجوع يجازى بمثله إذا صار مجندلاً في القبور جزاء وفاقاً ولأن الخلق عيال اللّه وهي إحسان إليهم والعادة أن الاحساس إلى عيال الإنسان يطفىء غضبه وإنما حر النار من غضبه ‏(‏وإنما يستظل المؤمن يوم القيامة‏)‏ ‏[‏ص 363‏]‏ من وهج الشمس في الموقف ‏(‏في ظل صدقته‏)‏ كأن صدقته تجسد كالطود العظيم فيكون في ظله أو هو مجاز وقال العامري‏:‏ ليس المراد بها ظله من حر الشمس فقط بل تمنعه من جميع المكاره وتستره من النار إذا واجهته وتوصله إلى جميع المحاب من قولهم فلان في ظل فلان وتمسك به من فضل الغني الشاكر على الفقير الصابر ولو لم يكن في فضل الصدقة إلا أنها لما تفاخرت الأعمال كان لها الفضل عليهن لكفى‏.‏

- ‏(‏طب عن عقبة بن عامر‏)‏ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة والكلام فيه معروف‏.‏

2050 - ‏(‏إن الصداقة يبتغي‏)‏ بالبناء للمجهول أي يراد ‏(‏بها‏)‏ من المتصدق ‏(‏وجه اللّه تعالى‏)‏ من سد خلة فقير أو صلة رحم مسلم أو كافر تجوز الصدقة عليه فمن أخلص في تلك الإرادة فقد قر عيناً بالجزاء عليها وجعلها كالغسالة لذنوبه ‏(‏والهدية يبتغي بها وجه الرسول‏)‏ أي النبي صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏وقضاء الحاجة‏)‏ التي قدم الوفد عليه فيها فهي من أجل حق المال لأنها من فوق رتبة المهدي والهبة للمثل أو الدون والهبة تمليك عين في الحياة مجاناً فإن انضم إلى التمليك قصد إكرام المعطي فهو هدية أو قصد ثواب الآخرة فصدقة وكلها مندوبة‏.‏

- ‏(‏طب عن عبد الرحمن بن علقمة‏)‏ بفتح المهملة والقاف ويقال ابن أبي علقمة الثقفي قال قدم وفد ثقيف على النبي صلى اللّه عليه وسلم ومعهم هدية فقال ما هذه قالوا صدقة قال إن الصدقة يبتغى بها وجه اللّه وإن الهدية يبتغى بها وجه الرسول صلى اللّه عليه وسلم وقضاء الحاجة فقال لا بل هدية فقبلها منهم انتهى وبه يتضح معنى الحديث ولولاه لكان مغلقاً وعبد الرحمن هذا ذكر أنه كان في وفد ثقيف وقال أبو حاتم هو تابعي لا صحبة له ذكره ابن الأثير وغيره واختصره الذهبي فقال مختلف في صحبته‏.‏

2051 - ‏(‏إن الصدقة‏)‏ أي المفروضة وهي الزكاة كما يدل عليه تعريفها ‏(‏لا تحل لنا‏)‏ أهل البيت لأنها طهرة وغسول تعافها أهل الرتب العلية والمقامات الرفيعة السنية ‏(‏وإن مولى القوم‏)‏ أي عتيقهم والمولى أيضاً الناصر والحليف والمعتق وغير ذلك لكن المراد هنا الأول ‏(‏منهم‏)‏ أي حكمه حكمهم وكما لا تحل الزكاة لنا لا تحل لمعتقنا قال في المظهر هذا ظاهر الحديث لكن قال الخطابي موالي بني هاشم لا حظ لهم في سهم ذي القربى فلا يحرمون الصدقة وإنما نهى عن ذلك تنزيهاً لهم وقال مولى القوم منهم على سبيل التسبيه في الاستنان منهم والافتداء بسيرتهم في اجتناب مال الصدقة التي هي أوساخ الناس فكان المصطفى صلى اللّه عليه وسلم يكفيه مؤونته فنهاه عن أخذ الزكاة‏.‏

- ‏(‏ت ن ك‏)‏ في الزكاة ‏(‏عن أبي رافع‏)‏ مولى النبي صلى اللّه عليه وسلم قال بعث النبي صلى اللّه عليه وسلم رجلاً على الصدقة فقال استصحبني كما تصيب منها فانطلقت إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم فسألته فذكره قال الحاكم على شرطهما وأقره الذهبي فظاهر صنيع المصنف أنه لم يره لأحد أعلى من الثلاثة وهو عجيب فقد رواه الإمام أحمد وكأنه ذهل عنه‏.‏

2052 - ‏(‏إن الصعيد الطيب‏)‏ أي التراب الخالص الطاهر ‏(‏طهور‏)‏ بفتح الطاء أي مطهر أي كاف في التطهير ‏(‏للمرء المسلم‏)‏ واحتج به داود على مذهبه أن التيمم يرفع الحدث وقال الباقون المراد به أنه قائم مقام الطهور في إباحة الصلاة ولو كان طهوراً حقيقة لم يحتج الجنب بعد التيمم أن يغتسل ‏(‏ما لم يجد الماء‏)‏ بلا مانع حسي أو شرعي ‏(‏ولو إلى عشر حجج‏)‏ أي سنين، قاله لمن يعزب عن الماء ومعه أهله فيجنب ‏(‏فإذا وجدت الماء‏)‏ بلا مانع ‏(‏فامه‏)‏ كذا بخط المصنف وفي رواية ‏[‏ص 364‏]‏ فأصبه ‏(‏بشرتك‏)‏ أي أوصله إليها وأسله عليها في الطهارة من وضوء أو غسل وفي رواية الترمذي فإذا وجد الماء فليمسه بشرته فإن ذلك خير فأفاد أن التيمم ينقضه رؤية الماء إذا قدر على استعماله لأن القدرة هي المرادة بالوجود الذي هو غاية الطهور بالتراب والمراد بالصعيد في هذا الحديث وما أشبهه تراب له غبار فلا يجزىء التيمم بغيره عند الشافعية لخبر جعلت لي الأرض مسجداً وترابها طهوراً ولم يشترط الحنفية الغبار بل أجازوا الضرب على الصخر‏.‏

- ‏(‏م د ت عن أبي ذر‏)‏ قال الترمذي حسن صحيح‏.‏

2053 - ‏(‏إن الصفا‏)‏ بالقصر أي الحجارة المليس واحدتها صفاة كحصى وحصاة أو الحجر الأملس فهو يستعمل في الجمع والمفرد فإذا استعمل في الجمع فهو الحجارة أو في المفرد فالحجر ‏(‏الزلال‏)‏ بتشديد اللام الأولى بضبط المؤلف أي مع فتح الزاي وكسرها والكسر كما في المصباح أفصح أرض مزلة تزل بها الأقدام والمزلة المكان الرحب ‏(‏الذي لا تثبت عليه‏)‏ أي لا تستقر ‏(‏أقدام العلماء الطمع‏)‏ -وهذا كناية عما يزلهم ويمنعهم الثبات على الاستقامة فالعلماء أحق الخلق بترك الطمع وبالزهد في الدنيا لأن الخلق يتبعونهم ويقتدون بهم- فإنه يذهب الحكمة من قلوبهم كما يأتي في خبر الشيطان طلاع رصاد لدعائهم له يشغلهم عن ذكر اللّه وصرف زمنهم بعلمهم في المنازعات والمكدرات وطول الهموم في التدبيرات حتى تنقضي أعمارهم وهم على تلك الحال فيكون علمهم عليهم وبالاً ‏{‏حتى إذا أخذت الأرض زخرفها وازينت وظن أهلها أنهم قادرون عليها أتاها أمرنا‏}‏ وعدم الطمع والزهد في الدنيا لما كان ملكاً حاضراً حسدهم الشيطان عليه فصدهم عنه وصيرهم بالطمع عبيداً لبطونهم وفروجهم حتى صار أحدهم مسخراً له كالبهيمة يقوده بزمام طمعه إلى حيث يهوي، قال الشافعي رضي اللّه تعالى عنه كتب حكيم لحكيم قد أوتيت علماً فلا تدنس علمك بظلمة الذنوب والطمع فتبقى في الظلمة يوم يسعى أهل العلم بنور علمهم، وقال الراغب‏:‏ العالم طبيب الدين والدنيا داء الدين فإذا جر الطبيب الداء إلى نفسه فكيف يداوي غيره، وقال‏:‏ من أبواب الشيطان العظيمة الطمع فإذا غلب الطمع على القلب لم يزل الشيطان يحسن إليه التصنع والتزين لمن طمع فيه بأنواع الرياء والتلبيس حتى يصير المطموع فيه كأنه معبوده فلا يزال يتفكر في حيلة التودد والتحبب إليه ويدخل كل مدخل للوصول إلى ذلك وأقل أحواله الثناء عليه بما ليس فيه والمداهنة فيه بترك الأمر بالمعروف والنهي عن النكر، وقد روى صفوان بن سليم أن إبليس تمثل لعبد اللّه بن حنظلة وقال احفظ عني شيئاً قال لا حاجة لي به قال تنظر فإن كان خيراً أقبله وإلا فلا‏:‏ لا تسأل إلا اللّه سؤال رغبة وانظر كيف تكون إذا غضبت وقال بعضهم‏:‏ الطمع هو الذي يذل الرقاب ويسود الوجه ويميت القلوب وعلاجه سلوك طريق القناعة ويحصل بسد باب التوسعات والاقتصار على ما لا بد منه مأكلاً ومشرباً ومسكناً وملبساً ونحو ذلك‏.‏ قال أبو جعفر البغدادي‏:‏ ست خصال لا تحسن بست رجال لا يحسن الطمع في العلماء ولا العجلة في الأمراء ولا الشح في الأغنياء ولا الكبر في الفقراء ولا السفه في المشايخ ولا اللؤم في ذوي الأحساب‏.‏

- ‏(‏ابن المبارك‏)‏ في الزهد ‏(‏وابن قانع‏)‏ في المعجم كلاهما عن ابن معين ‏(‏عن سهيل‏)‏ بالتصغير وفي نسخة سهل والأول هو ما في خط المصنف ‏(‏ابن حسان‏)‏ الكلبي ‏(‏مرسلاً‏)‏ وظاهر صنيع المصنف أنه لم يقف عليه مسنداً وإلا لما عدل لرواية إرساله ورواه ابن عدي والديلمي موصولاً من حديث أسامة بن زيد وابن عباس وأورده ابن الجوزي في الموضوعات‏.‏

2054 - ‏(‏إن الصلاة والصيام والذكر‏)‏ أي التلاوة والتسبيح والتكبير والتهليل والتحميد ‏(‏يضاعف‏)‏ ثوابه ‏(‏على‏)‏ ثواب ‏[‏ص 365‏]‏ ‏(‏النفقة في سبيل اللّه تعالى-أي يضاعف ثواب كل منها على ثواب النفقة في جهاد أعداء اللّه لإعلاء كلمة اللّه-‏)‏ أي في جهاد أعداء اللّه لإعلاء كلمة اللّه ‏(‏بسبع مئة ضعف‏)‏ على حسب ما اقترن به من إخلاص النية والخشوع وغير ذلك وفي بعض الروايات إن الصوم يضاعف فوق ذلك بما لا يعلم قدر ثوابه إلا اللّه لأنه أفضل أنواع الصبر وإنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب وفي خبر من قال سبحان اللّه كتب له مئة ألف حسنة وأربعة وعشرون ألف حسنة وما ذكر بالنسبة للصلاة والصوم ظاهر وأما الذكر فالظاهر أنه خرج جواباً لسؤال سائل عجز عن الجهاد أو فغير ليس معه ما ينفقه فأخبره بأن ثواب العبادة في حقه يربو على ثواب ذي المال الصارف له في شؤون الغزو ومتعلقاته وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال بل قد يعرض للجهاد ما يصيره أفضل من الصلاة والصيام وباقي أركان الإسلام كما مر‏.‏

- ‏(‏د ك‏)‏ في الجهاد عن ‏(‏معاذ بن أنس‏)‏ قال الحاكم صحيح وأقره الذهبي‏.‏

2055 - ‏(‏إن الصلاة قربان المؤمن‏)‏ أي يتقرب بها إلى اللّه تعالى ليعود بها وصل ما انقطع وكشف ما انحجب وهي أعظم العبادات المتعلقات بالإيمان المثابر عليها سابق الخوف المبادر لها تشوقاً بصدق المحبة فالعابد من ساقه الخوف إليها والعارف من قاده الحب إليها وهي بناء وعمود وأركان وخطيرة محوطة فالعمود الإيمان وإفراد التذلل إلى اللّه تعالى توحيداً ‏{‏اعبدوا اللّه ولا تشركوا به شيئاً‏}‏ وهو أول ما أقام اللّه من بناء الدين ولم يفرض غيره نحو عشر سنين ثم لما دخل الإسلام من لا يبعثه الحب على الصلاة فرضت الخمس فاستوى في فرضها المحب والخائف وسن النبي صلى اللّه عليه وسلم التطوع على ما كان أصلها، ذكره الحرالي، قال القاضي‏:‏ والقربان اسم لما يتقرب إلى اللّه تعالى كما أن الحلوان اسم لما يحل أي يعطى وهو في الأصل مصدر ولذلك لم يثن اهـ‏.‏ وغير الصلاة من العبادات يتقرب به أيضاً لكن المراد هنا أن شأن المؤمن الكامل وهو المتقي أن يكون اهتمامه بالتقرب بها لكونها أفضل القرب وأعظم المثوبات وبذلك تحصل الملاءمة بين قوله هنا المؤمن وقوله في الخير الآتي الصلاة قربان كل تقي -ولا يعارض عموم قوله هنا المؤمن قوله في حديث كل تقي لأن مراده أنها قربان للنافص والكامل وهي للكامل أعظم لأنه يتسع فيها من ميادين الأبرار ويشرق له من شوارق الأنوار ما لا يحصل لغيره ولذلك رؤي الجنيد فقيل له ما فعل اللّه بك قال طاحت تلك الإشارات وغابت تلك العبارات وفنيت تلك العلوم وبليت تلك الرسوم وما نفعنا إلا ركعات كنا نركعها عند السحر- ‏(‏عد عن أنس‏)‏ بن مالك بإسناد ضعيف لكن يقويه الخبر الآتي الصلاة قربان كل تقي‏.‏

2056 - ‏(‏إن الضاحك في الصلاة‏)‏ فرضها ونقلها ‏(‏والملتفت‏)‏ فيها عن يمينه أو يساره بعنقه ‏(‏والمفقع أصابعه‏)‏ أصابع يديه أو رجليه ‏(‏بمنزلة واحدة‏)‏ حكماً وجزءاً ومذهب الشافعي أن الثلاثة مكروهة تنزيهاً ولا تبطل بها الصلاة ما لم يظهر من الضحك حرفان أو حرف مفهم أو يتوالى مما بعده ثلاثة أفعال وما لم يتحول صدره عن القبلة ولا بطلت صلاته وتفقيع الأصابع فرقعتها وقد كرهه السلف كابن عباس وغيره وصرح النووي بكراهته لقاصد المسجد أيضاً قياساً على التشبيك‏.‏

- ‏(‏حم طب هق عن معاذ بن أنس‏)‏ قال الحافظ العراقي في شرح الترمذي فيه ابن لهيعة يرويه عن زياد بن فائد ضعيف قال الهيثمي‏:‏ فيه ابن لهيعة وفيه كلام معروف عن زياد بن فائد وهو ضعيف‏.‏

‏[‏ص 366‏]‏ 2057 - ‏(‏إن الطير‏)‏ بسائر أنواعها ‏(‏إذا أصبحت‏)‏ أي دخلت في الصباح ‏(‏سبحت ربها‏)‏ بلسان القال كما يعلم من خطاب الطير لسليمان وفهمه وفهم غيره أيضاً من بعض الأولياء لكلامهما ‏{‏وإن من شيء إلا يسبح بحمده‏}‏ ‏(‏وسألته قوت يومها‏)‏ أي طلبت منه تيسير حصول ما يمسك رمقها ويقوم بأودها من الأكل ذلك اليوم لعلها بالإلهام الإلهي أن ما من دابة في الأرض إلا على اللّه رزقها وأنه لا رزاق غيره، ومفهوم الحديث أنه إذا كانت الطير كذلك فالآدمي العاقل ينبغي أن يسأل اللّه تعالى ذلك في كل صباح ومساء وأن يبكر في طلب رزقه فإن الصبحة تمنع الرزق قال القاضي‏:‏ والطير مصدر سمي به أو جمع كصحب‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة عبيد بن الهيثم الأنماطي عن الحسين بن علوان عن ثابت بن أبي صفية عن علي بن الحسين عن أبيه ‏(‏عن علي‏)‏ أمير المؤمنين قال ثابت‏:‏ كنا مع علي بن الحسين بمسجد رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم فمر بنا عصافير يصحن فقال أتدرون ما تقول قلنا لا قال أما إني لا أعلم الغيب لكن سمعت أبي عن جدي أنه سمع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول فذكره والحسين بن علوان أورده الذهبي في الضعفاء وقال متهم متروك‏.‏

2058 - ‏(‏إن الظلم‏)‏ في الدنيا ‏(‏ظلمات‏)‏ بضم اللام وتفتح وتسكن وجمعها لكثرة أسبابها ‏(‏يوم القيامة‏)‏ حقيقة بحيث لا يهتدي صاحبه يوم القيامة بسبب ظلمه في الدنيا وأن المؤمن يسعى بنوره المسبب عن إيمانه في الدنيا أو مجازاً عما يناله في عرصاتها من الشدائد والكروب أو هو عبارة عن الأنكال والعقوبات بعد دخول النار ويدل على الأول قول المنافقين للمؤمنين ‏{‏انظرونا نقتبس من نوركم‏}‏ ووحد المبتدأ وجمع الخبر إيماء إلى تنوع الظلم وتكثر ضروبه كما سبق، ثم هذا تحذير من وخامة عاقبة الظلم لكل من ظلم غيره أو نفسه بذنب يقترفه وقد تطابقت الملل والنحل على تقيبح الظلم -قال العلقمي الظلم يشتمل على معصيتين أخذ حق الغير بغير حق ومبارزة الرب بالمخالفة والمعصية فيه أشد من غيرها لأنه لا يقع غالباً إلا بالضعيف الذي لا يقدر على الانتصار وإنما ينشأ الظلم من ظلمة القلب لأنه لو استنار بنور الهدى لاعتبر فإذا سعى المتقون بنورهم الذي حصل لهم بسبب التقوى اكتنفت ظلمات الظلم الظالم حيث لا يغني عنه ظلمه شيئاً- ومن أحسن ما قيل‏:‏

إذا ظالم استحسن الظلم مذهباً * ولج عتواً في قبيح اكتسابه

فكله إلى ريب الزمان فإنه * ستبدي له ما لم يكن في حسابه

فكم قد رأينا ظالماً متجبراً * يرى النجم تيهاً تحت ظل ركابه

فلما تمادى واستطال بظلمه * أناخت صروف الحادثات ببابه

وعوقب بالظلم الذي كان يقتفي * وصب عليه اللّه سوط عذابه

ويكفي في ذمه ‏{‏وقد خاب من حمل ظلماً‏}‏‏.‏

- ‏(‏ق ت عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2059 - ‏(‏إن العار‏)‏ أي ما يتعير به الإنسان زاد في رواية والتخزية -أي من القبائح التي فعلها في الدنيا كغادر ينصب له لواء غدره عند إسته والغال من الغنيمة نحو بقرة يأتي وهو حامل لها وغير ذلك- ‏(‏ليلزم المرء يوم القيامة حتى يقول يا رب لإرسالك بي‏)‏ وفي نسخة لي والأول هو ما في خط المصنف ‏(‏إلى النار‏)‏ نار جهنم ‏(‏أيسر علي مما ألقى‏)‏ من الفضيحة والخزي مغروز في أسته ‏(‏وإنه ليعلم ما فيها من شدة ‏[‏ص 367‏]‏ العذاب‏)‏ لكنه يرى أن ما هو فيه أشد وأكثر إيلاماً لكثرة ما يقاسيه من نشر فضائحه على رؤوس الأشهاد في ذلك الوقف الحافل الهائل الجامع للأولين والآخرين وهذا فيمن سبق عليه الكتاب بالشفاء والعذاب وأما من كتب في الأزل من أهل السعادة فيدنيه اللّه تعالى منه ويعرفه ذنوبه ويقول له ألست عملت كذا في يوم كذا وكذا في وقت كذا فيقول بلى يا رب حتى إذا قرره بها واعترف بجميعها يقول له فإني سترتها عليك في الدنيا وأنا أسترها عليك اليوم كما جاء في خبر آخر فلا يلحقه عار ولا فضيحة‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الأهوال من حديث الفضل بن عيسى الرقاشي عن ابن المنكدر ‏(‏عن جابر‏)‏ وقال صحيح وتعقبه الذهبي بأن الفضل واه فأبى له الصحة‏؟‏ وفي الميزان عن بعضهم لو ولد الفضل أخرس لكان خيراً له ثم ساق الحديث ومن مناكيره هذا الخبر وقال الهيثمي رواه أبو يعلى أيضاً وفيه الفضل بن عيسى الرقاشي وهو مجمع على ضعفه‏.‏

2060 - ‏(‏إن العبد‏)‏ أي الإنسان حراً أو قناً ‏(‏ليتكلم‏)‏ في رواية يتكلم بحذف اللام ‏(‏بالكلمة -أي الكلام المشتمل على ما يفهم الخير أو الشر سواء طال أم قصر كما يقال كلمة الشهادة‏.‏-‏)‏ اللام للجنس حال كونها ‏(‏من رضوان اللّه‏)‏ أي من كلامه فيه رضى اللّه تعالى ككلمة يدفع بها مظلمة ‏(‏لا يلقى‏)‏ بضم الياء وكسر القاف حال من الضمير في يتكلم ‏(‏لها بالاً‏)‏ أي لا يتأملها ولا يلتفت إليها ولا يعتد بها بل يظنها قليلة وهي عند اللّه عظيمة ‏(‏يرفعه اللّه بها‏)‏ أي بسببها ‏(‏درجات‏)‏ استئناف جواب عمن قال ماذا يستحق المتكلم بها ‏(‏وإن العبد ليتكلم بالكلمة‏)‏ الواحدة ‏(‏من سخط اللّه‏)‏ أي مما يغضبه ويوجب عقابه ‏(‏لا يلقى‏)‏ بضبط ما قبله ‏(‏لها بالاً يهوى بها‏)‏ بفتح فسكون فكسر أي يسقط بتلك الكلمة ‏(‏في جهنم‏)‏ ‏{‏وتحسبونه هيناً وهو عند اللّه عظيم‏}‏ وهذا حث على التدبر والتفكر عند التكلم فإن الشيطان يزين الشر في صورة الخير‏.‏

قال الغزالي عليك بالتأمل والتدبر عند كل قول وفعل فقد يكون في جزع فتظنه تضرعاً وابتهالاً وتكون في رياء محض وتحسبه حمداً وشكراً ودعوة للناس إلى الخير فتعد على اللّه المعاصي بالطاعات وتحسب الثواب العظيم في موضع العقوبات فتكون في غرور شنيع وغفلة قبيحة مغضبة للجبار موقعة في النار وبئس الفرار‏.‏

- ‏(‏حم خ‏)‏ في الرقاق ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ ورواه عنه أيضاً النسائي ورواه الحاكم متعرضاً لبيان السبب فقال كان رجل بطال يدخل على الأمراء فيضحكهم فقال له علقمة ويحك لم تدخل على هؤلاء فتضحكهم فإني سمعت بلال بن الحارث يحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم قال فذكره‏.‏

2061 - ‏(‏إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبن ما فيها‏)‏ بمثناة تحتية مضمومة فمثناة فوقية مفتوحة فموحدة تحتية مشددة مكسورة فنون هكذا ضبطها الزمخشري قال وتبن دقق النظر من التبانة وهي الفطنة والمراد التعمق والإغماض في الجدل وأدى ذلك إلى التكلم بما ليس بحق ومنه حديث سالم كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها إنه يتفق عليها من كل المال حتى ما تبتنتم ما تبتنتم أي دققتم النظر حتى قلتم غير ذلك إلى هنا كلامه قال بعض المحققين أخذاً من كلام القاضي وتبتن حال لأن الكلمة معرفة والجملة نكرة فلا تكون صفة للمعرفة انتهى وما ذكر من أن الرواية يتبين هو ما في كلام هؤلاء الأجلة الأكابر لكني وقفت على نسخة المصنف بخطه فوجدتها يتبين وكذا أوردها الحافظ ابن حجر رحمه اللّه تعالى يتبين ما فيها وقال معناه لا يتطلب معناها أي لا يثبتها بفكره حتى يثبته فيها فلا يقولها إلا إن ‏[‏ص 368‏]‏ ظهرت المصلحة في القول بعضهم ما يتثبتها بعبارة واضحة وفي رواية مسلم ما يتبين ما فيها قال وهذه أوضح، وما الأولى نافية والثانية موصولة أو موصوفة ‏(‏يزل‏)‏ بفتح أوله وكسر الزاي يسقط وفي رواية مسلم بدل يزل يهوي ‏(‏بها في النار‏)‏ نار جهنم ‏(‏أبعد ما‏)‏ وفي رواية مما ‏(‏بين المشرق والمغرب‏)‏ يعني أبعد قعراً من البعد الذي بينهما والقصد به الحث على قلة الكلام وتـأمل ما يراد النطق به فإن كثيراً من الكلام الذي يؤاخذ به العبد يسيره الهوى وتحول بين العبد وبين عاقبته النفس والشيطان ويزينا له أنه لا ذنوب إلا الذنوب التي في ذكره في ذلك الكلام وأن كلامه كله في نهاية التمام قال أهل السلوك‏:‏ وطريق التوبة منها أن يتذكر أوقاته الماضية كم فيها من حق ضيعه أو ذنب ركبه ويتأمل في منطقه ولحظه واستماعه وبطشه وحق من عليه له فيتدارك الممكن مما ذكره‏.‏